شذرات مراكشية

حومة اسبتيين

زكريا المراكشي / 2022-09-15

92222

مازال الحديث متواصلا عن تاريخ الحومات بالحضرة المراكشية، ويتعلق الأمر هذه المرة بحومة اسْبْتِيِّين وهي من أعرق الحومات وأقدمها

يقع حي اسْبْتِيِّين وسط مجموعة من الأحياء العتيقة بالمنطقة الشرقية لمدينة مراكش، بالقرب من حومة باب أيلان وسيدي أيوب وابن صالح والموقف. وتنتسب تسمية الحي إلى أهل سبتة، وترجع هذه التسمية إلى بداية العهد الموحدي، كما أشار إلى ذلك صاحب التشوف

ويَذكر هذا الأخير أن هذا الحي استقر به الوفد السبتي الذي رافق الولي الصالح العلامة القاضي عياض حين قدم إلى مراكش ليقدم بيعة أهل سبتة للمرة الثانية للسلطان عبد المومن بن علي الكومي الموحدي، فدُفن القاضي عياض الذي أصبح من بين رجالات مراكش السبعة بحي باب أيلان المجاور لحي سبتيين. وقصة وفاة القاضي عياض مشهورة وسيأتي الكلام عنها في مراكشية خاصة في سلسلة التعريف برجال مراكش السبعة

اشتهرت هذه الحومة باحتضانها مجموعة من الأولياء المنحدرين من مدينة سبتة وغيرها، من قبيل أبي عبد الله الملقب بزروق وهو بداخل مسجد الحومة بدرب السقاية وعليه دربوز من خشب، وسيدي مسعود بن ادريس بداخل درب الرمانة من الدرب المذكور وسط الطريق، والمبارك الشيباني بقعر درب السقاية المذكور

وفي القرن الماضي كانت هذه الحومة تزخر بمختلف الفنون التراثية من ڭناوة وملحون ودقة وحمادشة. فمن رحم دروبها وُلدت هذه الفنون وظهرت رجالاتها. فعلى سبيل المثال، في درب الجديد كان يقطن شيخ أشياخ الملحون الحاج محمد بن عمر الملحوني؛ وحوله كان يتحلق مجموعة من المولعين بهذا الفن من شعراء ومنشدين كبار، منهم السي علي المنسوم المْعْلم الكبير بما تحمل الكلمة من معنى فكان دقايقيا ڭناويا من الطراز الرفيع

واشتهرت هذه الحومة بحومة المقاومين والمقاومات ضد الاستعمار الفرنسي فعرفت مشاركات شريفة من أبنائها ولم يقتصر أمر المقاومة على الرجال بل كانت للنساء أيضا اليد الطولى في هذا الباب. نذكر من بينهن لالة أمينة زوجة الحاج أحمد ڭسوس. كانت تسهر على تأطير نساء الحي وتعليمهن القراءة والكتابة. إلى جانب السيدة لالة غيثة أخت مولاي ابراهيم القراقشي المايسترو، كانت تتميز بشجاعة وبسالة نادرتين؛ إذ يحكى أنها واجهت فرقة من المجندين السينيغاليين الذين حاولوا اقتحام الحي

رحم الله هؤلاء الناس وجعل البركة في أبناء هذه المدينة