عرف المغرب خلال حكم الدولة المرينية تطورا عمرانيا وثقافيا لافتا، فقد بنى المرينيون مدنا جديدة، كما اهتموا بتشييد المدارس والمارستانات والمساجد والأربطة مما جعل البلد يعرف نشاطا هاما على مستويات عديدة. فلم يشتهر بناء المدارس العلمية بشكل كبير إلا في عهدهم فازدهرت بذلك الحياة العلمية والفكرية بالبلاد. وهذا لا ينفي وجود مدارس علمية بمراكش قبل ذلك العهد فقد أشار المؤرخ مارمول كربخال في كتابه إفريقيا إلى وجود مدرسة موحدية كانت قائمة بجوار جامع الكتبية وأنها من بناء عبد المومن الموحدي. ونجد المؤرخ محمد الوزان أثناء حديثه عن القصبة بمراكش وهو يصف مدرستها حيث يقول: وفي القصبة أيضا مدرسة في غاية الحسن، أو على الأصح مؤسسة معدة للدراسة وسكنى مختلف الطلبة، تحتوي على ثلاثين حجرة ... إلخ
وأهم مدرسة بناها المرينيون بمراكش هي المدرسة العظمى الشهيرة التي ذاع سيطها في أرجاء المعمورة والمتاخمة لجامع ابن يوسف العريق والتي بناها أبو حسن المريني (ت 752ه). قال الرحالة الطنجي ابن بطوطة في تحفة النظار لما زارها ووقف على جمالها المعماري: [وصلت إلى مدينة مراكش وهي من أجمل المدن، فسيحة الأرجاء، ممتعة المناظر، كثيرة الخيرات ... وبها المدرسة العجيبة التي تميزت بحسن الوضع وإتقان الصنعة، وهي من بناء مولانا أمير المسلمين أبي الحسن المريني رضوان الله عليه]. وقال في وصفها ابن مرزوق في المسند الصحيح الحسن: [مدرسة سبتة غاية، وأعجب منها مدرسة مراكش وتليها مدرسة مكناسة]. وقد وصفها المؤرخ الفذ لسان الدين بن الخطيب في كتابه نُفاضة الجراب عند مقامه بمراكش وزيارته لها بالمدرسة العظمى. فهي عظيمة حقا، تسر الناظر، وينشرح بها الخاطر
واشتهرت باسم "مدرسة ابن يوسف" لكونها تقع بجوار جامع ابن يوسف. جدد بناءها السلطانُ الغالب بالله السعدي سنة 972ه / 1564م إذ تناولتها يد الإصلاح فحظيت بعناية السلطان واهتمامه ورعايته وليس هو من بناها كما شاع عند بعض الناس بل الباني لها كما أشرت هو السلطان أبو الحسن المريني كذا جاء في النزهة للمؤرخ المراكشي محمد الصغير الإفراني وغيره
فناء هذه المدرسة رحب، وأرضها مبلطة بالرخام الأبيض، يتوسطها صهريج مستطيل، ويكسو أعمدتها الزليج الملون، وتعلوها سواكب من خشب الأرز الذي نقشت عليه كتابة رائعة. ومما نقش في عتبة الباب الرئيسي: [أقامني للعلوم والصلاة أمير المؤمنين، وسبط خاتم الرسل أسمى الخلائق عبد الله ...]. والمسجد الملحق بالمدرسة يحتوي على أسكوبين، تزينهما أعمدة رخامية، أما المحراب فتكثر فيه زخارف نباتية، والنوافذ تعلوها نقوش جميلة
عدد البيوت بها 132 بيتا إلى جانب بيت الخلاء في الأسفل وله منظف خاص به. أما عدد الطلبة فبالمئات إذ كان يقيم في كل غرفة تقريبا 4 طلاب
ظلت هذه المدرسة مقصدا للعلماء وطلبة العلم كما كانت تمثل مسكنا ومأوى للطلبة وقد خرجت أجيالا من أفذاذ أهل العلم لا يسع المجال لذكرهم. كما ساهمت أيضا في تكوين زعماء الحركة الوطنية أيام الكفاح ضد المستعمر الفرنسي
وللعالم الرباطي عبد الله الجراري شهادة أثناء مُقامه بمدينة مراكش قبل حوالي تسعين سنة (١٩٣٤م)، فكانت له زيارة لمدرستها العظيمة الشهيرة، فقال : { ذهبنا لمدرسة ابن يوسف المعروفة قديما بالمدرسة المرينية، تلك المدرسة التي تبهر برقة نقشها، وبديع صنعها، المدرسة التي تتجلى فيها مدنيّة المرينين وحضارتهم وما بلغوه من الحذق في الفنون حتى إنها الدولة الوحيدة في الترقيق والتحسين، فلله درّك يا أبا الحسن وما خلّدته، وقد جاء في الاستقصا : { ومن وقف على هذه المدرسة، وتأمل تنجيدها وتنسيقها، قدّر قدْر هذا السلطان، وعلم عظم همته ومحبته للعلم وأهله}. فجعلنا ننظر بعين الاعتبار في تلك الآثار، والأسف يعمل فينا أعماله لما هو ماثل أمامنا من نقوش أثرية متهدمة الأطراف مما تنفطر له أكباد العقلاء. [..] والذنب يرجع لإدارة الآثار ورجال الحمراء، إذ كيف تطيب نفوسهم لرؤية هذا الأثر الخالد على هاته الصفة المشوهة حتى إن إدارة الآثار لو تنازلت للأحباس عن ذلك، لقامت بالإصلاح حسب ما يظهر} فلولا عناية الله لصارت في خبر كان. ولله الحمد فقد أشرف جلالة الملك محمد السادس حفظه الله على هذا الأمر فأعطى انطلاقة أشغال ترميم مدرسة ابن يوسف التاريخية منذ سنوات حفاظا على هذا الموروث الثقافي فلله دره والمدرسة الآن فتحت أبوابها للزوار حتى يقفوا على جمال صنعها ورونق نقوشها وبهجة زخرفتها
kl6ru7
3drfo7
dlq7us
p7u05a
ip3f9p
0tstdw
v5qxxt
lwi9oq
cv2nky
9vtggi
4w1c5b
4q6ew4
61dwcx
5clfcr
rhycmh
jdgkb7
ux3lgn
sgf67i
0hajq2
zfaz32
p4p7bv
أترك تعليقا