بسم الله تستمر هذه السلسلة في ترجمة السادات سبعة رجال ونحن الآن بصدد التعريف بالشخصية الثالثة في الزيارة سيدي أبي العباس السبتي ويعرف في الأوساط المراكشية ب "سيدي بلعباس" يقول العلامة اليوسي في نظمه بعد ذكره لسيدي القاضي عياض و بحر أبي العباس ليس يخوضه ☆☆ سواه كريم لا يزال يمانع الولي الزاهد، العالم العارف بالله، ذو الكرامات الشهيرة والمناقب الكثيرة، والأحوال الباهرة، نزيلُ مراكش وبركتُها ودفينُها، سيدي أبو العباس أحمد بن جعفر الخزرجي السبتي، من رجال المائة السادسة، وُلد بمدينة سبتة سنة 524ه، في عهد السلطان علي بن يوسف بن تاشفين آواخر الدولة المرابطية، و بها نشأ وأخذ عن علماء زمانه منهم العارف سيدي أبو عبد الله الفخار دفين تطوان الذي هو تلميذ القاضي عياض ترعرع يتيما، مات أبوه وهو دون العاشرة من عمره، من أسرة فقيرة. كانت تدفعه أمه لتعلم الصناعة ليستعين بها على دنياه فحملته إلى معلم الحياكة وهو ابن عشر سنين، وكان يفر عنهم فألهمه الله تعالى أن أتى إلى مكتب أبي عبد الله الفخار وكان عالما تقيا فقيها ورعا من بركات سيدي القاضي عياض، فلما أتاه أبو العباس قال له : يا سيدي أردت أن تعلمني لله وأنا يتيم، فنظر إليه الشيخ فألقى الله محبته في قلبه، ووقعت له معه أمور عجيبة زادته حظوة عند الشيخ فقال له يا بني : بارك الله فيك إن عشت ليكونن لك شأن عظيم. ولما بلغ 16 سنة، بعدما حفظ القرآن الكريم والرسالة وفنونا من الأدب والعربية، وقويت عزيمته على السفر برسم طلب العلم ولقاء المشايخ، قصد مراكش مدينة العلم و الخير والصلاح وقبلة العلماء والأولياء كان أبو العباس جميل الصورة أبيض اللون حسن الثياب، فصيح اللسان قديرا على الكلام مفوها حليما صبورا يحسن إلى من يؤذيه، ويحلم على من سفه عليه، رحيما عطوفا يحسن إلى اليتامى والأرامل يجلس حيث أمكنه الجلوس من الأسواق والطرق فيحض الناس على الصدقة ويأتي بما جاء فيها من الآيات والآثار، تُناوَل له الصدقة فيفرقها على المساكين فينصرف يقول ابن الزيات في التشوف : [ وبالجملة فإن شأنه من عجائب الزمان ... كان رحمه الله أعطي بسطةً في اللسان وقدرةً على الكلام، لا يناضره أحد إلا أفحمه وكان سريع الجواب وكان للقرآن ومواقع الحجج على طرف لسانه عتيدة حاضرة يأخذ بمجامع القلوب ويسحر العامة والخاصة ببيانه، يأتي من يأتي للإنكار عليه فما ينصرف إلا وقد سلم له وأذعن لقوله. وما ثبت إلي من أخباره ما يقضي به العجب] كان رحمه الله في أول أمره يسكن الفندق يُعلّم الطلبة الحساب والنحو، وما يأخذه من أجر ينفقه عليهم فكانوا يأوون إليه، وكثُر الواردون عليه وصار الفندق يغص بهم وكانت تعلو أصواتهم بالمذاكرة وكان عليه سروال من صوف وبيده سوط يمشي به إلى الأسواق ويذكر الناس ويضربهم على ترك الصلاة في أوقاتها ويأتيهم بالطعام إكراما لهم وتعظيما لشأنهم عملا بوصية رسول الله في الاعتناء بهم يقول سيدي عبد الله التليدي في كتابه المطرب بمشاهير أولياء المغرب :[و يعتبر سيدي أبو العباس من عجائب الزمان فكانت له أحوال غريبة، وخاصة فيما يرجع إلى الزهد في الحياة وعدم اكتراثه بالمال ومتاع الدنيا، وتحققه بمقام الإيثار .. وهكذا كانت أحواله مع الناس، وكان لا يأتيه أحد يريد شيئا إلا أمره بالصدقة والإحسان، و كان يقول رضي الله عنه : كل ما أردتَ أن يفعل الله بك فافعله مع عبيده، وقيل له مرة: أما ترى ما فيه الناس من القحط والغلاء ؟ فقال : إنما حبس المطر عنهم لبخلهم فلو تصدقوا لمطروا] فكان أصل مذهبه يدور على الصدقة، وكان يرد أصول الشرع إلى الصدقة وأن الوجود ينفعل بالجود. ومن استنباطاته الهامة وفوائده البديعة ما ذكره ابن الزيات في التشوف : [يقول رحمه الله : من لم يفهم معنى الصلاة فلم يصل، فإن أول الصلاة تكبيرة الإحرام، وذلك أن ترفع يديك وتقول الله أكبر والمعنى الله أكبر من أن نضن (=نبخل) عليه بشيء، فمن رأى شيئا من متاع الدنيا في نفسه أكبر فلم يُحْرِم ولا كبر، ومعنى رفع اليدين في التكبير : تخليت عن كل شيء، لم أمسك لا قليلا ولا كثيرا، ثم يتكلم على أجزاء الصلاة بهذه المعارف، وكان يتناول الركوع على المشاطرة والسلام من الصلاة على الخروج من كل شيء، وكان يقول سر الصوم أن تجوع فإذا جعت تذكرت الجائع، وعلمت قدر ما يقاسيه من الجوع فتتصدق عليه فإن صمت ولم تنعطف على الجائع فكأنك لم تصم، والزكاة إنما فرضت عليك في كل عام لتتدرب على البدل والعطاء، وإلا ففي الأموال حق سوى الزكاة، وليس المقصود أن تعطي في وقت مخصوص وتمسك في غيره، وسر الحج أن تبرز في زي المساكين بحلق الرأس والشعر، ولبس النعلين والتجرد من ثياب الرفاهية والبدل لله تعالى وإظهار العبودية، وسر الجهاد بدل النفس في مرضاة الله تعالى والتخلي له عن كل شيء، وترك التعلق بأسباب الدنيا، ومعنى التوحيد توحيد الله تعالى دون أن تجعل معه إلها غيره، من متاع الدنيا وكل ما استولى على الإنسان فهو إلهه، أفرأيت من اتخذ إلهه هواه .. وهكذا يتكلم في جميع العبادات] ومن أقواله المأثورة : أصل الخير في الدنيا والآخرة الإحسان، وأصل الشر البخل، قال تعالى: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ..) الآية. وفي قوله تعالى : (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)، قال هذه الأمانة هي الرزق، فالسماوات أعطت ما عندها من الماء والمطر، والأرض أعطت ما عندها من النبات وغير ذلك مما فيها والجبال أعطت ما عندها من المياه فأنبتت الأرض وأبرزت ثمارها وما فيها من الأرزاق وأبت من إمساكها فصار الإنسان خازنا لما يجتمع عنده فيمنع منه المساكين إنه كان ظلوما جهولا إنها لَتوجيهات ودروس رائعة وعظات بالغة تَحُث على الصدقة والإنفاق والجود والكرم وعلى أي فأخباره كثيرة، ومناقبه شهيرة، توفي رحمه الله سنة 601ه بمراكش ودفن خارج باب تاغزوت، وقبره مشهور، ثم دفن بقربه ابنه عبد الله، وحفيده يحيى رحمة الله عليهم أجمعين وقد بنى عليه السلطان أبو فارس عبد العزيز السعدي مسجداً كبيراً سنة 1012هـ، ويُقبِل الناس على زيارة مقام أبي العباس بشكل منقطع النظير، حتى إن العلامة أحمد بابا التمبوكتي ذكر في كتابه "نيل الابتهاج بتطريز الديباج" أنه زاره ما يزيد عن الخمسمائة مرة، فرحم الله سيدي أبا العباس السبتي رحمة واسعة ورفع الله قدره في الدنيا و الآخرة
y9wf5g
ut5rts
cifjxe
3q1dau
q5s8v2
2rkp85
4hpmgt
ciqu48
re932s
h4bjof
ku3ex0
h9ahs9
qkep6q
nm1u1s
h63eru
mekr5j
a596k6
wuxox4
m23hfz
cyisod
n81soq
أترك تعليقا