لا يزال الحديث متواصلا عن رجالات مراكش فارتأيت أن أقف وقفة خاصة مع رجل حسبك من رجل، من مشاهير الحضرة المراكشية ومن أعلام تفسير القرآن. لم ينل حظه من الشهرة إلا عند الخاصة، فكان من الواجب أن أعرف بهذا العَلم اعترافا بمجهوداته وتقديرا لمكانته وتعظيما لجنابه
إنه الفقيه العلامة الصوفي المحقق، بحر العرفان ومعدن الإيقان، أبو الحكم سيدي عبد السلام المشهور بابن بَرَّجَان، المعروف عند العامة بأبي الرجال من إشبيلية بالأندلس
عرَّف به ابن خلكان في وفيات الأعيان والناصري في الاستقصا والنبهاني في جامع كرامات الأولياء و غيرهم. فأجمعوا على أنه كان رحمه الله من أهل العلم والمعرفة بالقراءات والحديث، ضليعا في علم الكلام، متصوفا مع زهد واجتهاد في العبادة وهو من كبار العارفين وقد لُقب بغزالي الأندلس
له تفسير القرآن الكريم سماه تنبيه الأفهام إلى تدبر القرآن الكتاب والتعرف على الآيات العظام، وأكثر كلامه فيه على طريق أرباب الأحوال والمقامات، جرى فيه على طريقة لم يسبق إليها واستقرأ من الآيات عجائب وقرائن من الغيوب إلا أنه أغمض في التعبير، فلا يصل إلى مقصوده إلا من فَهِم كلامه وألف إشارتَه وإلهامَه. وأهم ما يمتاز به هذا التفسير بشكل لافت للنظر، اهتمام ابن برجان فيه بالمناسبة بين السور والآيات واهتمامه بالمعاني الدقيقة فهو يشد القارئ في بعض الأحيان إلى معنى ربما يكون هو الذي سبق إليه وتميز به. وله أيضا شرح على أسماء الله الحسنى بنفس أهل التحقيق
ذكر النبهاني أن من كرامات الشيخ أنه ذكر في تفسيره الذي ألفه سنة 520ه، وكان بيت المقدس إذ ذاك في يد الفرنج، أن فتحه يكون في رجب سنة 583ه، وقد كان كذلك فَفُتح في رجب من السنة المذكورة على يد السلطان صلاح الدين الأيوبي، وقد استخرجه رحمه الله بحسابٍ و استقراءٍ من قوله سبحانه : [الم ¤ غلبت الروم ¤ في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ¤ في بضع سنين ..]
لقد أوذي رضي الله عنه في حياته كثيرا وظُلم وسُعي عليه سعاية باطلة عند السلطان علي بن يوسف بن تاشفين المرابطي فأحضره إلى مراكش، فلما وصل قال رضي الله عنه : لا أعيش إلا قليلا ولا يعيش الذي أحضرني بعدي إلا قليلا. فعُقد له مجلس مناظرة مع فقهاء زمانه وأوردوا عليه المسائل التي أنكروها، فأجاب وخرجها مخارج محتملة مقبولة، فلم يقنعوا منه بذلك لكونهم لم يفهموا مقاصده، وقرروا عند السلطان أنه مبتدع، فحبسه فمرض بعد أيام قليلة فمات في الحبس سنة 536ه ومات علي بن يوسف بن تاشفين بعده سنة 537ه
عاش ابن برجان أكثر من ثمانين سنة، وعاصر دولة المرابطين من أولها إلى آخرها، إلى أن وافته المنية مُغَرَّباً عن وطنه إشبيلية، وَقبرُهُ بإزاء قبر الزَّاهد الكبير أَبِي العَبَّاسِ بن العَرِيف بالرحبة قرب سوق السمارين بمراكش وبإزائه مسجد تصلى فيه الصلوات الخمس
رحم الله الإمام المفسر سيدي ابن برّجان رحمة واسعة ورفع قدره في الدارين وقيض له من يَخدم تفسيره و يُخرجه للناس
3cwaxi
j25jha
zkgrlh
agc9je
6s02kc
ix54sc
qsz55l
uyak2v
d1em2x
ji4ov6
bqr56f
axfytx
c8g9qn
3q0y03
irbver
rgc2hv
f0kaxp
nvsdxl
o4u01t
cp1872
dj7s06
أترك تعليقا